العمارة البيزنطية فن بدأ في القدم ولم ينتهي(تعرف على تصميم أهم 3 كنائس بيزنطية)

كتابة – مهندسة معمارية / عزة رضا أبو السعود & مراجعة ونشر – مهندسة معمارية / دينا شكري حسين

مقدمة

العمارة البيزنطية هي الفن المعماري في عصر فجر المسيحية , وهي إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات في تاريخ البشرية , وما زالت آثار هذه العمارة واضحة للعيان في كثير من المناطق التي سيطرت عليها الإمبراطورية البيزنطية , وعلى وجه الخصوص مدينة إسطنبول والتي كانت هي مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية قديمًا. ولقد نتج عن هذه الإمبراطورية اتجاه معماري مميز وعناصر ومفردات هامة .

إذا ما هي العوامل التي أثرت في هذه العمارة؟ وكيف تأثرت بالحضارات السابقة؟

ما هي مميزات العمارة البيزنطية ؟ وما هي المواد البنائية التي استخدموها؟ وكيف كان تصميم الكنائس في هذه العمارة؟

سوف نجيب في مقالنا اليوم بعدسة معماري عن هذه التساؤلات تابعونا …

أولاً : العوامل المؤثرة في العمارة البيزنطية

العوامل الاجتماعية والتاريخية

تعتبر مدينة بيزنطة من الناحية الاجتماعية مقر الحكم السياسي والديني والعسكري نظراً لموقعها المتوسط بالنسبة للإمبراطورية الرومانية، ولكن نظراً لأن أهل هذه المدينة في ذلك الحين كانوا محدودي الذكاء فكان لهذا التغيير (وهو انتقال العاصمة والحكم إلى القسطنطينية) أثراً فعالاً وسريعاً في تدهور الإمبراطورية الرومانية.

لقد كانت بيزنطة مدينة إغريقية قديمة، وعلى ذلك فالمباني الحكومية التي أٌنشئت في ذلك الوقت بناها حرفيين أغارقة مٌتأثرين بالروح والتقاليد الرومانية , ولذلك نجد أن القسطنطينية نفسها أٌنشئت على أٌسس وخطوط رومانية, كما سمحت المناطق الجبلية بذلك.

العوامل الجغرافية

بيزنطة تقع على سبع هضاب , وكانت أيضًا تقع على ملتقى طريقين رئيسيين للتجارة وهما ” طريق البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط” و”الطريق التجاري الواصل بين أوروبا وآسيا” ولذلك تحكمت بيزنطة في التجارة.

وعلى ذلك نرى أن الفن البيزنطي غزا الإمبراطورية الرومانية الشرقية حتى المناطق الواقعة غرب البحر الأبيض المتوسط , وكان لهذا الفن البيزنطي تأثيرًا كبيرًا على العمارة في هذه المناطق المختلفة .

موقع الإمبراطورية البيزنطية
العوامل المناخية

لقد أثرت حرارة الجو وارتفاع درجات الحرارة على تصاميم وعمارة بيزنطة , فنجدهم ابتكروا طرق معمارية وطٌرز خاصة, فمثلا نجد الأسطح المستوية مشتركة معًا مع القباب ذات الطابق الشرقي الأصيل , والفتحات الصغيرة الضيقة للشبابيك المرتفعة نسبيا عن منسوب الأرضية، وتلك الحوائط غير المنكسرة والعقود المتكررة التي تحيط بالأفنية الداخلية .

العوامل الدينية

الدين المسيحي هو الدين الرسمي للدولة, وعلى ذلك كان الطراز البيزنطي في العمارة هو التعبير الرسمي للأبنية العامة والكنائس والأديرة, ولكن سرعان ما دب الخلاف بين المسئولين في الكنيسة ونشأ عن ذلك أن غادر بعض الفنانين والمهندسين الإغريقين ورحلوا إلى إيطاليا ليزاولوا عملهم .

ولهذا السبب نجد أن العمارة البيزنطية في الشرق خالية من التماثيل المعبرة واللوحات الزيتية عكس الطراز البيزنطي في الغرب الذي تميز بهذه العناصر المعبرة من تماثيل ولوحات زيتية ذات الألوان الزاهية الجميلة .

ثانياً : مواد البناء المستخدمة في العمارة البيزنطية

لقد استلهموا من الرومان طرق الإنشاء ومواد البناء ,فنجدهم استخدموا مواد البناء المنتشرة في هذا العصر وهي الطوب والخرسانة في الحوائط والأقبية.

فقد استخدموا الفخار في عمل القباب, أما الطوب فكان يستعمل لدرجه محدده إذ لم يكن استعماله بمثل الكثرة التي كان يستعمل بها في إيطاليا.

وكان الطوب يُستعمل غالبًا في بناء الحوائط الخارجية من مداميك على هيئة رباط لغرض زخرفي, وليحل محل الحُليات التي لم يكن لها وجود إلا قليل, وكان الطوب المستعمل كنظيره من الطوب الروماني تماماً أي من قطع كبيره رفيعة.

ثالثاً : تأثر الحضارة البيزنطية بالحضارات السابقة

نظرا لانقسام الإمبراطورية إلى قسمين: الإمبراطورية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية , والإمبراطورية الغربية وعاصمتها روما.

فقد تأثرت العمارة في هذا العصر بالعمارة الإغريقية والفن الفارسي الساساني. وبدأ هذا التأثير المزدوج بالتقابل في الفن البيزنطي طوال حياة هذا الفن، ويعتبر من أهم خواصه ومن نتائجه إظهار هذا الاتجاه الفني العظيم الخصب الذي انتشر في هذا الوقت.

رابعاً: المعالم المميزة في العمارة البيزنطية

المساقط الأفقية

تطور المسقط الأفقي للكنائس في ذلك العصر بما يتمشى مع استعمال القباب, فأصبح المسقط عبارة عن صحن مربع كبير فوقه القبة الرئيسية، و له أذرع أربعة تكون معه شكل صليب ،و سقف كل من هذه الأذرع على شكل قبو أو نصف قبة، أما الأركان الاربعة المحصورة بين الصحن وتلك الاذرع فكانت أسقفها قباب صغيرة.

كانت الكنائس في بعض الأحيان مثمنة الشكل من حيث مسقطها الأفقي, وقد بُني عدد من الكنائس الصغيرة يشبه مسقطها الأفقي الكنائس البازيليكية، إلا أنها كانت تحتوي على قباب وأقبية مستمرة بدلا من الأسقف الخشبية.

أنواع المساقط الأفقية
الفتحات

كانوا يستخدمون في تغطية الفتحات والأبواب العقد نصف الدائري الذي يرتكز مباشرة على تيجان الأعمدة، كما استخدموا بعد ذلك العقود المستقيمة أو التي على شكل حدوة الفرس. وكانت النوافذ صغيرة لتتناسب مع الجو الحار، وكانت في الغالب مكونة من أكثر من صف واحد وواقعة تحت الأقبية المستمرة.

أشكال الفتحات والمداخل
الأسقف والقباب

قد اشتهر المهندسون في ذلك العصر بالإبداع والتفوق في التكوين المعماري لهذه القباب مع بعضها من كبيرة وصغيرة ونصف قباب, مما جعلها فريدة من نوعها على مر الزمن.

أنواع القباب

أنواع القباب

تُبنى بشكل يكون فيه قوس انحنائها على استمرار قوس انحناء الزوايا المثلثية الكروية، وبذلك تكون القبة والزوايا بشكل كروي واحد.

تُبنى بحيث لا يكون قوس انحنائها على استمرار قوس انحناء الزوايا المثلثية الكروية.

تُبنى على طبلة دائرية، ترتكز على الزوايا المثلثية الكروية، وتساعد الطبلة على إمكانية فتح نوافذ صغيرة تساعد على الإنارة.

الأعمدة والزخارف

الأعمدة غالبًا من قطعة واحدة من الرخام الملون والتيجان من الرخام وغنية بالحُليات المنحوتة. وكانت رجل العقد فوق العمود مباشرة واحيانًا توضع كتلة بنائية بين رجل العقد وتاج العمود. و كانت من أهم الابتكارات هو انبعاج تيجانها إلى الخارج ووضع جلسة مربعة اعلى هذه التيجان.

اختفت الزخارف الرومانية مثل النحت البارز , وحلت محله الزخارف المسطحة المجردة، بتأثر من الفنون الشرقية. وقد ساعد صغر الفتحات على وجود مسطحات كبيرة من الحوائط الداخلية لرسم الصور بالموزاييك الملون.

كما كانت العقود والأقبية والقباب مغطاة بالموزاييك المزجج اللامع وأرضية ذهبية . واستخدموا الموزاييك لتبليط الأرضيات.

خامساً : أهم الكنائس البيزنطية

كنيسة آيا صوفيا
كنيسة آيا صوفيا
بعدسة م/ عزة رضا

– قامت في عصر جستيان اضطرابات خطيرة عام 532 م سببت احتراق الكنيسة القديمة , فقام جستيان بإعادة بنائها بعظمة لم يسبق لها مثيل , لذلك أُمر بإحضار جميع المواد اللازمة من كل انحاء العالم.

– انتهى بناء الكنيسة في 5 أعوام وافتتحها الإمبراطور رسميا في 27 ديسمبر 537 م.

– كان بناء الكنيسة على الطراز البازيليكى المقبب.

– المسقط الأفقي 80*70 متر (مستطيل الشكل) صليب من الداخل ومربع من الخارج.

– الجزء الاوسط من الصحن مربع الشكل متوج بقبة ضخمة وعلى جانبيه مستطيل مسقف بنصف قبة , وبذلك التكوين البديع يصبح الصحن كله بيضاوي الشكل وملحق بأنصاف القباب قبة في كل جانب نصف دائرية , وترتكز القبة على 4 عقود موزعة أحمالها على الأكتاف التي في أركان المربع.

– وكان الاهتمام موجهًا نحو تجميل المبنى وزخرفته بدرجة كبيرة من الداخل . وقد استغل جستنيان جمع إمكانيات الامبراطورية لزخرفة وتزيين المبنى, فجزء كبير من الحوائط مغطى بألواح من الرخام بأنواع وألوان متعددة، كما زُنيت السقوف بمناظر رائعة من الفرسكو والفسيفساء, وبالرغم أن معظم المناظر قد غُطيت في عصر الخلافة العثمانية الراشدة بطبقات من الجبس ورسم فوقه زخارف هندسية والخط العربي , إلا كثيرا من هذه الطبقات سقطت وظهرت المناظر القديمة أسفلها.

– وبعد أن تحولت الكنيسة إلى مسجد آيا صوفيا على يد السلطان محمد الفاتح , غُطيت هذه التماثيل وحل محلها آيات من القران الكريم.

– ويحتوي هذا المسجد على 107 عمود معظمها منقولة من معابد متعددة وخاصة معبد بعلبك , منها 40 عامود بالدور الأرضي والباقي بالجاليري المحيط بالصحن على دورين وأُضيف إليها 4 مآذن.

بعد أن تحولت الكنيسة إلى مسجد آيا صوفيا
كنيسة القديس فيتال
العمارة البيزنطية
كنيسة القديس فيتال

– هذه الكنيسة شيدها الامبراطور جستيان لاسترداد مدينة رافينا, وكانت هذه الكنيسة مقتبسة من مبنى روماني يسمى Minerva medica  ,ولكن التأثير البيزنطي كان واضحًا في جميع أجزائها، وهي على شكل مثمن يحيط به مثمن أخر من الخارج.

– من مميزات القبة التي تعلو صحنها أنها ترتكز على معلقات مكونة من عقود صغيرة , وبُنيت هذه القبة من أواني فخارية داخل حوائطها بحيث وضعت الأواني العليا على شكل أفقي ، مما جعل المباني خفيفة ، وبذلك لم تكن هناك حاجة إلى عقود أو حوائط ساندة كما هو الحال في كنيسة آيا صوفيا.

– ويعتبر الموزاييك الذي يمتد الى عقود الهيكل فريدًا من نوعه , كما أنه يمدنا بمعلومات هامة عن مُلابسات هذا العصر , خصوصًا مشهدين كبيرين خُصص أحدهما للإمبراطور جستيان وحاشيته والأخر للإمبراطورة تيودورا وحاشيتها.

كنيسة القديس مرقص
العمارة البيزنطية
كنيسة القديس مرقص

– صُممت على شكل صليب إغريقي وتحتوي على قبة في الوسط وقبة على كل ضلع من أضلاع الصليب.

– وفُتحت في الأكتاف الكبيرة المربعة الشكل التي تحمل القبة ممرات ترتكز على عقود، وتتصل الأكتاف في الوسط إلى أكتاف الصحن.

– واجهة الكنيسة تمتاز بالرخام الشفاف المصقول وقطع الموزاييك الذهبية الرائقة.

– وتحتوي على 5 مداخل كبيرة.

ختامًا:

لقد تحدثنا اليوم عن مفردات وعناصر العمارة البيزنطية والعوامل التي أدت لتطورها هذا التطور الضخم الذي يشهد عليه مبانيها القائمة حتى عصرنا الحالي وعناصرها المستلهمة من العديد من الحضارات في مزيج مبدع وخلاب.

المصادر

مميزات العمارة البيزنطية

عمارة بيزنطية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart
Scroll to Top