كتابة-مهندسة معمارية/عزة رضا & مراجعة ونشر -مهندسة معمارية/وفاء أبو العطا

مقدمة عن بيوت النمل

في مساكن النمل هندسة متقنة الصنع منظمة ، حيث يعيش النمل في مساكن متجاورة وكأنها قرية سكنية تشبه الأنفاق صغيرة ضيقة يقوم النمل بحفرها في باطن الأرض، أو تحت الأشجار، وتكون مظلمة، وهناك أنواع من النمل تبني بيوتها من أوراق النباتات الجافة ، ومن المدهش حقآ أن بعض أنواع النمل قادرة على بناء بيوت تتكيف مع المناخ .

قد لا نرى هذه الهندسة الدقيقة ولكنها حقآ إعجاز وجب علينا نحن المعماريون التأمل فيها وفي الكون البديع والتعلم واقتباس الأفكارفمن علم هذه الكائنات الدقيقة هذه الهندسة الكونية ! سبحان الخالق وكما ذكر في كتابه العزيز ”  حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (النمل – 18) .

وقد وصف الخالق سبحانه بيوت النمل بالمساكن فهي بالفعل مسكن بالوصف الدقيق وليس بيت ويوجد فرق بين البيت والمسكن حيث نجد المسكن يقسم داخليا إلى حجرات وممرات بينما البيت هو عبارة عن مساحة واحدة مخصصة للعيش فسبحان الذي خلق فأبدع ثم وصف فأتقن!

مقدمة عن قرية عش النمل

نعود إلى مقالنا اليوم فنجد العديد من المعماريين والمصممين يسعون بأقصى جهدهم لكي يصلوا لطراز خاص بهم يصبح علامة مميزة لهم ويكون فريد من نوعه بحيث يجذب العديد من الزوار الذين يبحثون عن التفرد، فلقد نجح المعماري الفرنسي (دانيال جراتالوب) بوضع بصمة خاصة في تاريخ العمارة بمجموعة من المباني والمشاريع التي تتميز بشكل عضوي مصنوع من مادة واحدة ويعتمد على التهوية والإضاءة الطبيعية،

ففي مقال اليوم بعدسة معماري سنتحدث عن أحد مشروعاته وهي قرية عش النمل بالجزائر التي قام المهندس المعماري (مكي إبراهيم) باستنساخها مع إضفاء طابع معماري إسلامي حيث اعتمد على هذا التصميم المميز لتكوين قرية سياحية تكون قبلةً لمن أراد الاسترخاء والخروج عن المألوف وهو ما أدى لنجاحها وحجزها لفترات طويلة من قبل السائحين.

سبب تسمية قرية عش النمل بهذا الاسم

*لم يطلق عليها صاحب المشروع هذا الاسم ولكن من درجة انبهار الزبائن بالمنتجع، أطلقوا عليه تلك المسميات مستمدين ذلك من البرامج الوثائقية والرسوم المتحركة العلمية التي تصور تجمعاً لبيوت النمل بذلك الشكل.

وسوف نتحدث اليوم عن مميزات هذا المشروع المميز وسنطرح عدة تساؤلات :

ما هي الفكرة التصميمية لهذه القرية السياحية ؟
وما هي مميزات تصاميم جراتالوب ؟
وكيف حدث الدمج بين تصميم جراتالوب والعمارة الإسلامية ؟
وما هي مميزات التصميم الداخلي للشاليهات ؟

وفي مقالنا اليوم سوف نجيب على هذه التساؤلات ونوضح سبل جعل هذه القرية محط أنظار العديد من السائحين ونرى إذا ما أعجبكم التصميم وقررتم العيش في عمارة جراتالوب؟

معلومات عن المشروع

الموقع	قرية بوزجار، ولاية عين تموشنت بالجزائر
المصمم	المهندس المعماري الفرنسي دانيال جراتالوب واستنسخها : المعماري الجزائري مكي إبراهيم
المساحة	30 هكتار (300 ألف متر مربع)
عام الافتتاح	2016
السعة	180 غرفة

مميزات الفكر المعماري الخاص بالمهندس المعماري جراتالوب

– تتميز عمارة جراتالوب بأن الغلاف الخارجي متصل فهو مصنوع من مادة واحدة، لذلك لا يوجد فاصل بين الجدران الخارجية والسقف وإطارات الأبواب والنوافذ، وأحواض تجمع مياه الأمطار، والمداخن، والمظلات، إلخ.. مما يجعلها وحدة متكاملة تعطي إحساس بالثبات والاستقرار.

– الاعتماد على التكوينات العضوية والحرية في خطوط الكتل والفتحات.
– الدمج بين النحت الفني والتقنية الهندسية في التصميم واستنباطه للأشكال من المحيط الطبيعي ، والارتباط والتناغم مع الطبيعة.

-القرية تعد نموذجا لقرى مماثلة توجد فقط في أمريكا وفرنسا وسويسرا وهي أول نسخة عربية مطورة مما يجعلها محط أنظار سكان الشرق الأوسط.

– تعد القرية فريدة من نوعها عربيًا وإفريقيًا فهي قرية سياحية مميزة تستحق الاستكشاف حيث تحتل موقعًا استراتيجيًا يسهل الوصول إليه، فمنطقة (بوزجاز) بالجزائر منطقة خلابة بامتياز حيث الطبيعة الجبلية التي لا تغيب عنها الثلوج في الشتاء من جهة والمطلات على البحر من ناحية أخرى وهو ما دفع المصمم لجعلها تتناغم مع واقعها المحيط وتستغل امكانياته.

تصميم الشاليهات في قرية عش النمل السياحية

– يعتمد تصاميم الشاليهات على فكرة بيوت النمل المنحوتة في قلب الصخر بطريقة فنية، وتتمتع بتهوية طبيعية وتصميم إبداعي مميز وجذاب

– ونجد في هذا التصميم تجمعات الشاليهات تشبه تجمعًا لبيوت النمل في هندسته، وسيتم توسعة المشروع ليشمل مركز للعلاج بمياه البحر، وكذلك حديقة ألعاب مائية بهدف تعزيز السياحة الشتوية وجعل القرية مفتوحة أمام الزبائن على مدار السنة                                                       

– يتميز تصميم الشاليهات بالخصوصية فبمجرد ولوجك المكان تجد نفسك أمام سلسلة من الشاليهات المتقاربة فيما يشبه «العش»، فضاؤها الداخلي دائري مع نظام تهوية طبيعي ومقسم بشكل منظم يعطي حرية في الفراغات الداخلية.

– يحتوي الفندق على 180 غرفة متناثرة تجعلك تشعر بالإرتباك للوهلة الأولى لأنك سوف تستغرب إن كان في فندق أو مجموعة فنادق ويخيل لك أنك ستضيع وسطها ولكن بمجرد دخولك تشعر وكأنك في موطنك حيث الراحة والسكينة.

وفي الشكل التالي مخطط يوضح بعض المساقط الأفقية للشاليهات التي تتشابك وتكون تدرج في الفراغات الخارجية من عامة إلى شبه عامة إلى خاصة مما يحقق الخصوصية للزائر ويعطي إحساس بالحميمية والتقارب

كيف مزج مكي تصاميم جراتالوب مع العمارة الإسلامية

* قام صاحب المشروع المعماري الجزائري إبراهيم مكي بالحصول على رخصة عمل خاصة في الهندسة المعمارية المنحنية المنحوتة، من صاحبها الأصلي (دانيال جراتالوب) وهو مهندس معماري عالمي معروف بدمجه بين النحت الفني والتقنية الهندسية في التصميم واستنباطه للأشكال من المحيط الطبيعي، بعد أن حظي بثقته لأنه كان طالبًا عنده وأبدى اهتمامه سابقا بإنجاز تصاميم تجمع بين إبداعات جراتالوب والطابع المعماري العربي الإسلامي الذي يعتمد هو كذلك على شكل القبة والتكوينات البسيطة والمميزة.

– اختار مكي أن يضفي لمسة من هوية الجزائر على تصميم دانيال جراتالوب، ليمزج ذلك الفن العالمي بهندسة عربية إسلامية تزيد من راحة زواره فيشعر وكأنه يملك الشرق والغرب فبين يديك جمال التصميم الذي يمنحك فخامة تصاميم الغرب وعراقة تصاميم الشرق.

– واهتم الفندق أيضا بتكوين عماله في الفندقة والإعلام السياحي والطبخ الجزائري والغربي، ليجمع بكل ذلك خصوصيات مستوحاة من البيئة الجزائرية وثقافتها وأصالتها ومحيطها الأوربي وبين ثقافة الغرب وطرق معيشتهم.

تصميم الشاليهات من الداخل

– صمم الفندق بغرف مستقلة تشبه بيوت النمل، بفضاء دائري من الداخل، وبه أيضًا عدد 2 مطبخ، كل منهما تم تجهيزه بكل عتاده، وأحدهما مفروش بـ “جلسة جزائرية” لمن يريد الجلوس حول مائدة الغداء أو العشاء كما في منازل الجزائريين

– تم تخصيص شرفة كبيرة بكل غرفة تمنح للزائر إطلالة تأمل على جمال المنطقة وتزيد من استرخائه وراحته وتمنحه إحساسًا مميزًا.

واللقطات الداخلية التالية للشاليهات توضح جمال التكوينات وانسيابية الفراغ والاهتمام بعناصر الديكور الفريدة والجذابة

إذا كنتم مهتمين بتصميم المنتجعات والقرى السياحية لا يفوتكم الإطلاع على تصميم هذا المنتجع الأخضر من تصميم المعماري البلجيكي العالمي فينسينت كاليبو والتي تتميز أعماله بالحفاظ على مباديء العمارة الخضراء.

ختامًا :إن الاهتمام بالمنتجعات وأماكن الاسترخاء وتصميها بأشكال مميزة وجذابة يعتبر عامل مهم جدًا في اقتصاد الدول حيث تعتبر مثل هذه الأماكن عامل من عوامل جذب السياح فكلما تنوعت واختلفت أماكن الاسترخاء والمتعة كلما زاد إقبال الزوار وانتعش الاقتصاد ومن هنا يظهر دور المعماريين في ابتكار وسائل وطرق مميزة تحقق الراحة والمتعة والتفرد فكما لاحظنا في مقالنا اليوم التصميم المبتكر لقرية عش النمل التي تعطيك إحساس بأنك بعيد عن صخب الحياة وروتين العمل اليومي..

وبعد أن تحدثنا في هذا المقال عن مميزات وعناصر هذا المشروع المميز نرجو أن يكون نال إعجابكم شاركونا تعليقاتكم وأراءكم حول هذا الموضوع..

لا تنسوا متابعتنا على اليوتيوب وانتظروا المزيد من مواضيع العمارة والديكور المميزة