تاريخ معمار سنان باشا 2

تاريخ معمار سنان باشا 2 – Architect Sinan Pasha2

المقدمة

تحدثنا في المقال السابق عن المعماري سنان باشا 1 – Architect Sinan Pasha وسوف فنتحدث في هذا المقال عن تاريخ معمار سنان باشا 2 – Architect Sinan Pasha2

تاريخ معمار سنان باشا:

وُلد معمار سنان باشا في عام 895 هـ (1490م) في قرية آغريناس التابعة لولاية قيصرية في الأناضول. كان ينتمي إلى عائلة مسيحية، ولكن بمرور الوقت تحول إلى الإسلام.

في سن مبكرة، أظهر شغفًا ببناء الأشياء، حيث كان يحب شق قنوات المياه في الحدائق وبناء الأكواخ وحظائر الحيوانات. هذه الاهتمامات الأولى في حياته كانت بمثابة تمهيد لمستقبله المعماري.

انضم إلى الجيش العثماني في فترة حكم السلطان بايزيد الثاني، حيث كانت هذه خطوة كبيرة في حياته. حصل سنان باشا على فرصة للتعليم العسكري والتقني، مما سمح له بتطوير مهاراته الهندسية والمعمارية. في عام 918هـ (1512م)، أصبح سنان جزءًا من الإنكشارية في الجيش العثماني من خلال نظام “الدوشيرمة”.

خلال فترة خدمته في الجيش العثماني، شارك سنان باشا في العديد من الحملات العسكرية، بما في ذلك حملة بلغراد عام 927هـ (1521م)، كما شارك في الحروب التي خاضها السلطان سليم الأول ضد بلاد فارس والشام والعراق ومصر.

مع بداية حكم السلطان سليمان القانوني في عام 926هـ (1520م)، بدأ سنان باشا في إبراز مهاراته المعمارية بشكل ملحوظ، حيث أصبح المعماري الأبرز في الدولة العثمانية. خلال هذه الفترة، بنى جسورًا رائعة على نهر بروت و نهر الدانوب، مما أكسبه لقب “كبير مهندسي الدولة العثمانية” في عام 944هـ (1538م).

بجانب مشاركته في الأنشطة العسكرية، حصل سنان على تعليم معماري من مدارس الأوجاق المعماري في إستانبول، والتي كانت من أبرز مراكز تعليم الهندسة المعمارية في الإمبراطورية العثمانية. من هذه المدارس، تخرج العديد من المهندسين المعماريين العظماء الذين ساهموا في تطوير الطراز العثماني.

أصبح سنان باشا كبير المعماريين في الدولة العثمانية بعد وفاة عجم علي، وأصبح مسؤولًا عن الإشراف على جميع الأعمال المعمارية في الدولة العثمانية. تولى المسؤولية عن بناء المساجد، والقصور، والمدارس، والحمامات، وكان يشرف على أعمال البناء في كل أنحاء الإمبراطورية.

من أبرز أعماله المعمارية التي لا تزال تُعتبر مراجع هندسية إلى اليوم هي مسجد السليمانية في إستانبول و مسجد السليمية في أدرنة.

واصل سنان باشا عمله المعماري حتى توفي في عام 996هـ (1588م) عن عمر يناهز 98 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا معماريًا ضخمًا وتأثيرًا كبيرًا في تاريخ العمارة العثمانية والإسلامية.

تاثيرات علي فكر المعماري سنان باشا – تاريخ :

تأثر فكر معمار سنان باشا بعدة عوامل وأحداث شكلت رؤيته المعمارية وأسلوبه الفريد في التصميم. وهذه التأثيرات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. التأثيرات العسكرية- تاريخ:

التعليم العسكري: نشأ سنان باشا في بيئة عسكرية حيث التحق بالجيش العثماني وكان جزءًا من الإنكشارية. هذه الخلفية العسكرية أثرت بشكل كبير على منهجيته في بناء المنشآت العسكرية مثل الجسور و الحصون، والتي كانت جزءًا من دفاعات الدولة العثمانية. كان له دور كبير في تصميم المباني العسكرية مثل المعسكرات، والقلاع، والممرات الدفاعية.
الهندسة العسكرية: تأثر سنان بكيفية بناء المنشآت التي تخدم الأغراض الدفاعية، ما جعله قادرًا على الجمع بين الجانب الهندسي المعقد والهدف الاستراتيجي في تصاميمه.

2. التأثير الأوروبي- تاريخ:

الفتوحات العثمانية في أوروبا: خلال مشاركته في الغزوات العثمانية في البلقان وأجزاء من أوروبا، اطلع سنان باشا على العمارة الأوروبية المتقدمة التي تميزت بالضخامة والاهتمام بالتفاصيل الزخرفية. هذا ألهمه في تصاميمه، وخاصة في استعمال القباب الكبيرة وتوزيع المساحات. كان يتبنى الطراز المعماري الذي يدمج القوة الهيكلية مع الجمال الفني.
العمارة الأوروبية المتقدمة: تأثر بشكل خاص بـ العمارة القوطية و الطراز الروماني، مما دفعه لتطوير تقنيات بناء القباب والمساحات المفتوحة بشكل أكثر كفاءة.

3. التأثير السلجوقي- تاريخ:

العمارة السلجوقية: تأثر سنان باشا بالعمارة السلجوقية التي كانت شائعة في الأناضول، حيث كانت القباب الضخمة والمساحات الداخلية الواسعة جزءًا أساسيًا من تصاميم المباني. كان هذا التأثير ظاهرًا في تصميمه لمباني المساجد وال مدارس، حيث استفاد من أسلوب العمارة العثمانية المبكرة في استخدام القباب و الفضاءات المفتوحة.
المساجد العثمانية القديمة: استلهم من العمارة الإسلامية التقليدية وخاصة من المساجد الكبرى التي كانت تشيد في الأناضول.

4. التأثير البيزنطي- تاريخ:

كنيسة آيا صوفيا: كان مسجد آيا صوفيا في إستانبول أحد أكبر التأثيرات على فكر سنان المعماري. بعد أن تحول إلى جامع في عهد السلطان محمد الفاتح، تأثر سنان به بشدة وأخذ منه فكرة استخدام القباب الضخمة والنظام المعماري الذي يسمح بخلق مساحات مفتوحة تحت القبة، وتحدي قوة البناء عبر التصميم.
تأثر بشكل خاص بالنظام الهيكلي المعقد لآيا صوفيا، والذي ميزها عن باقي المباني الإسلامية، وسعى إلى تحسينه وتطويره في أعماله.

5. التأثيرات الفكرية والدينية- تاريخ:

الإسلام والعقيدة الدينية: كان لفكر سنان تأثير كبير من العمارة الدينية في الإسلام. ففي تصميمه للمساجد والمآذن، كان يركز على الرمزية الدينية والروحانية، إذ اعتبر المعمار جزءًا من التفاعل مع الله. كان يسعى لإنشاء بيئات ذات جو من السكينة والروحانية، لذا كان يولي اهتمامًا كبيرًا بتوزيع الضوء، والمساحات المفتوحة، وكذلك الزخارف التي تعكس التوازن والتناغم.
التراث الثقافي: كان سنان يدمج بين التراث المعماري العثماني والإسلامي العريق ليخلق طرازًا معماريًا خاصًا به، يجمع بين الإبداع والوظيفية.

6. التأثيرات التكنولوجية والهندسية- تاريخ:

التطورات الهندسية في عصره: استفاد سنان من التقدم في علم الهندسة و الرياضيات في عصره، حيث كانت هناك تجارب جديدة في تقنيات البناء، مثل استخدام القباب المتعددة، الهياكل الحديدية، وتحسين تقنيات بناء الجسور و القلاع.
كان متقدمًا في استخدام تقنيات لتقوية القباب، خاصة عندما عمل على تقوية القباب الكبيرة لتحمل الزلازل، وهو أمر تجلى بوضوح في أعماله مثل مسجد السليمية.

7. الطابع الشخصي والإبداع- تاريخ:

الابتكار: كان سنان يسعى دائمًا للابتكار والتجديد في تصميماته. لم يقتصر على تقليد الأنماط المعمارية، بل عمل على تحسينها وتطويرها، مما جعل أعماله معالم فارقة في تاريخ العمارة العثمانية.

من خلال هذه التأثيرات المتنوعة، استطاع سنان باشا أن يدمج بين التراث المعماري الإسلامي والتقنيات الحديثة في عصره ليخلق أسلوبًا معماريًا يعكس القوة والجمال في آن واحد.