الحضارة الرومانية مدرسة متميزة ولكنها متأثرة بما قبلها (جزء 1)

كتابة – مهندسة معمارية / عزة رضا أبو السعود & مراجعة ونشر – مهندسة معمارية / دينا شكري حسين

مقدمة

لقد برهنت الحضارة الرومانية على مهارتها في البناء والإبداع كما ظهرت جرأتها في استخدام عناصر جديدة ومميزة رغم أن معظم عمرانها قائم على التقليد مع التحديث والتغيير , فسوف نتحدث اليوم عن هذه الحضارة ومميزاتها ومفرداتها التي مازالت تجذب أنظار العالم.

إذاً ما هي العوامل التي اثرت في الحضارة الرومانية ؟ وكيف تأثرت بالحضارات الأخرى ؟

ما هي مميزات هذه الحضارة؟ وما هي مواد البناء الخاصة بهم؟

كل هذه الأسئلة سوف تكون مدار مقالنا اليوم بعدسة معماري عن الحضارة الرومانية تابعونا …

أولاً : العوامل المؤثرة في العمارة الرومانية

العوامل التاريخية

يمكن تلخيص أهم التطورات التاريخية التي مرت بها هذه الحضارة على النحو التالي :

عام 753 ق.م : ظهر تجمع الرومان بانتخاب رومولوس ملكاً لهم.

عام 58 ق.م : أُضيفت مصر للإمبراطورية.

عام 43 م : أصبحت بريطانيا تابعة للإمبراطورية الرومانية.

القرن الرابع الميلادي : هو بداية النهاية لهذه الإمبراطورية، حيث انقسمت إلى قسم شرقي وغربي وكانت بيزنطة عاصمة القسم الشرقي.

عام 475 م : تم القضاء على الإمبراطورية بشكل نهائي بعد هجوم البربر عليهم.

العوامل الجغرافية

لقد ساعد موقع إيطاليا في وسط البحر المتوسط على نشر فنونها وتبادل التأثيرات المختلفة على جميع الحضارات المعاصرة , كما وصل تأثيرها إلى غرب آسيا وشمال أفريقيا.

خريطة توضح موقع إيطاليا في وسط البحر المتوسط
العوامل المناخية

تتميز إيطاليا بالمناخ المعتدل في شمالها والحار نسبياً في بعض المناطق الجنوبية منها، وهذا التنوع أدى إلى ظهور مباني معمارية مختلفة تتلاءم مع ظروف المناطق المناخية المختلفة.

العوامل الدينية

لم يكن للدين تأثيراً كبيراً على العمارة الرومانية، وكان الإمبراطور هو الحاكم الأعلى وراعي الدين. وبسبب عدم الاهتمام بالدين فقد ظهرت العديد من المباني العامة مثل الكولوسيوم والبازيليكا.

العوامل الاجتماعية

عندما مات أوحبستس عام 14 بعد الميلاد حكم بعده نيرون و كراكلا ,ثم تدخلت الجيوش في الحكم وظهرت الحياة الاجتماعية وتمثلت في المباني ” الرياضية، المسارح،…” , وكان من صفات الشعب الروماني الطاعة التامة للحاكم حتى العائلات كانت تدين بالولاء لرب الأسرة , وانعكست الحياة الاجتماعية على مبانيهم ومنشاتهم.

ثانياً : تأثر الحضارة الرومانية بالحضارات الأخرى

الحضارة الفرعونية

تأثرت العمارة الرومانية بالعمارة الفرعونية تأثرًا طفيفاً وذلك عندما كانت مصر تحت الحكم الروماني، وذلك عندما تخلت عن الخرسانة والطوب واستخدمت الأحجار بدلاً من الخرسانة ,وهذا كان شيء وارد وذلك لعدم توافر الخرسانة .

كما بدى تأثرها بالمعابد المصرية القديمة الشامخة ويظهر ذلك في جزيرة فيلة بمصر ,فالحضارة الرومانية تأثرت بالحضارة المصرية القديمة بالنسبة للعمود الدوري والذي تم نقله تقريبًا من العمود المصري بالقديم.

الحضارة الإغريقية

استخدم الرومان الأعمدة بغرض جمالي فقط بدون أن يكون لها دور انشائي كما فعلوا في مدرج الكولوسيوم. فلُصقت الأعمدة على دائرة الواجهة وتظهر هذه الأعمدة أنها تحمل التكنة التي تعلوها مع أن هذه التكنة محملة في الواقع على العقود التي بين الأعمدة.

كما استعمل الرومان الطرز والأساليب الإغريقية للأعمدة الإغريقية الثلاث (الدوري_ الأيوني_ الكورنثي) ثم أضافوا إليها عمودان هما (التوسكاني _المركب).

ثالثاً : مميزات العمارة الرومانية

– الطريق والنهج الذي اتبعه الرومان في أبنيتهم وعُمرانهم، حيث اهتم الرومان بالأبنية الدنيوية في حين كان اهتمامهم بالمباني الدينية قليلًا، كما أنَّهم اهتموا ببُنيان الأماكن العامة أكثر من اهتمامهم بالأماكن الخاصة.

– الرومان استخدموا العقود بكل أشكالها، كما أن العمارة الرومانية القديمة كانت تتميز بالقوة وبالتكاليف القليلة وبالمرونة، ولم يهتم المعماريون الرومان ببناء المعابد , بل كانوا يكتفون ببناء محراب خاص في كل بيت.

استخدام الرومان للعقود

– استخدم الرومان في بناء المعابد الخرسانة التي استخدمتها قبلهم الحضارات القديمة في الشرق , ولكن الرومان استطاعوا إخفاء شكل الخرسانة غير المقبول حين قاموا بكسوتها بالطوب والحجر لتأخذ شكلًا معماريًا مقبولًا.

– كانت العمارة الرومانية معقدة وصعبة وهذا ما لم يكن في الحضارة الإغريقية القديمة التي تُعدُّ مهد العمارة الرومانية، والسبب الرئيس في التعقيد الموجود في العمارة الرومانية هو وجود العقود والقباب.

رابعاً : مواد البناء الخاصة بالعمارة الرومانية

استخدم الرومان مجموعة واسعة من مواد البناء وابتكروا مواداً حديثة دمجت بشكل فريد مع مواد البناء الموجودة مسبقاً.

الحجر

من المواد التي شاع استخدامها وخاصةً الحجر الجيري الذي كان متوافراً من المقالع الحجرية القريبة , جاءت شعبيته نظراً لإمكانيته الكبيرة في نقل الحمولات وقابليته للنحت وتشكيل الزخارف.

الطوب

يثعتبر من المواد الرخيصة حيث شاع استخدام الطُّوب المحروق لأنه أكثر ديمومة وأكثر قابلية للنحت، حيث كان يتم صبه في قوالب مربعة أو دائرية للأعمدة. اُستخدم في الأسقف وبخاصة في القباب والقبوات نظراً لخفة وزنه.

الطوب الروماني
الجص

اُستخدم بشكل خاص لإكساء الجدران، فكان يُنحت ليعطي نفس التصميمات التي اعتاد المعماريون الحصول عليها باستخدام الحجر. تم تصنيع الجص بمزج الرمل والجبس والماء مع استخدام غبار الرخام لإعطاء نوعيَّة أفضل.

الطف البركاني (الحجر الاسفنجي تملؤه الثقوب)

اُستخدم في القباب نظراً لخفة وزنه كما في قبة مبنى البانثيون.

البازلت

اُستخدم غالباً لرصف الطرق عبر قطع متعددة الأضلاع.

الرُّخام

شُيدت بعض المباني من الرُّخام بالكامل ,وأشهر أنواع الرُّخام الإيطالي المستخدم كان رخام Carrara من مدينة Tuscany، لكن لم يقتصر الاستخدام على هذا النَّوع حيث تم استيراد الرخام من كافة أرجاء الامبراطورية. كما استخدموا الأعمدة الرخاميَّة الملونة من شمال إفريقيا وتركيا ومصر إلا أنها لم تستخدم كثيرًا نظرًا لارتفاع تكلفة نقلها.

الجرانيت المصري الوردي والرمادي

اُستخدم للأعمدة والمسلات.

في معبد البانثيون
بُني جسم العمود من الجرانيت الرمادي، أمَّا التَّاج والقاعدة فمن الرُّخام الأبيض
الخرسانة

بدأ الرومان باستخدام الخرسانة منذ حوالي 2000 عام، واُستخدمت في أشهر المباني الرومانية. وكان أهم ما يميزها هو زيادة قدرتها على المقاومة مع مرور الزمن. تكوَّنت من الجير المحروق والرَّماد البركاني (وهو المكوِّن الرَّئيسي الذي يعطي للخرسانة خصائصها) بالإضافة للماء، كما اُستخدمت الخرسانة كمادِّة رابطة لقطع الطُّوب أو الُّصخور البركانية (الطف) ولتشكيل الأساسات والجدران والقبوات والحصول على مجازات أكبر.

قبة البانثيون في روما، وهي مثال على البناء بالخرسانة الرومانية

خامساً : أنواع الأعمدة الرومانية

العمود الدوري

ترجع تسمية هذا الطراز إلى(دوري) وهي مقاطعة بلاد الإغريق الوسطى ,وهو قريب الشبه من العمود المضلع المصري .

يتكون من:

القاعدة : واسعة ذات مسقط افقي دائري.

البدن : اسطوانة مضلعة جوانبها مائلة إلى أعلى بحيث قطرها في أعلاها أصغر منه في أسفلها.

العمود الأيوني

يُعتقد بأن جذوره تعود إلى أصول رافدية , وظهر في العمارة الكنعانية الفينيقية ثم تسنى له الانتقال الى اليونان عن طريق آسيا الصغرى , وانتشر بها أواسط القرن السادس قبل الميلاد, وأتخذ تاج العمود شكلاً لولبياً يُسمى باللفافات وتكون على زاوية 45 درجة.

العمود الكورنثي

ورد من أصول العمارة المصرية ثم انتقل إلى الإغريق ونشأ في مدينة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، وطوره الرومان في حقبة لاحقة. ويتشكل تاجه من نسقين من أوراق نبات الأقنثا, وظهر من هذا الطراز نوعان: الكورنثي الإغريقي، والكورنثي الروماني.

العمود المركب

نموذج طوره الرومان في حقبة متأخرة، ويتألف تاجه في نصفه العلوي من الزخرفة الأيونية ونصفه السفلي من الكورنثية. وكان البدن غالبًا مكون من قطعة واحدة , وقد اُستعمل في اقواس النصر. ونسبه مثل الطراز الكورنثي ماعدا نسبة التكنة التي تكون أحيانا أكثر ارتفاعًا.

الرومانية
أنواع الأعمدة الرومانية
ختاماً

لقد تناولنا في هذا المقال أهم التطورات التي أثرت بالحضارة الرومانية ومدى تأثرها بالحضارات السابقة , كما تعرفنا على مواد البناء المستخدمة آنذاك وكيف وفيما استخدموا كلاً منها , كما تعرفنا على أنواع الأعمدة الرومانية وأشكالها. وفي الجزء القادم سوف نتعرف على أهم العمائر الرومانية بكل أنواعها .

المصادر

أهم مميزات العمارة الرومانية

عمارة رومانية

مدونة الابحاث الفلسفية وعلم الاثار



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart
Scroll to Top