كتابة: مهندسة معمارية/ عزة رضا أبو السعود & مراجعة ونشر: مهندسة معمارية /وفاء أبو العطا
مقدمة:
العمارة الإنسانية تهتم بجميع فئات المجتمع فالفرد هو لبنة بناء المجتمع فإذا صح جسده وعقله صح المجتمع ونمى وهذا ما تسعى الدول المتقدمة دومًا لتوفيره لمواطنيها فهي لا تهتم بالجانب العضوي فقط بل تهتم بالجانب النفسي لما له من أثر كبير على المجتمع ، حيث أن ضغوط ومشاكل الحياة قد أثقلت كاهل المواطنين وساعدت في ازدياد الأمراض النفسية والإحباط وهذا ما يحتم علينا إعادة النظر في مفهوم مراكز التأهيل النفسي لتتناسب مع ظروف المجتمع الحالية .
و بالتالي فان المفهوم الحديث لمباني الرعاية الصحية للمرضى النفسيين يجب أن يراعي الدور الهام الذي تقوم به مباني ومستشفيات التأهيل النفسي في علاج هؤلاء المرضى فلم تعد تلك المباني خزانات مملوءة بالمرضى المعزولين عن المجتمع و إنما أصبحت أشبه بالكائنات الحية التي تتفاعل معهم فهي تؤثر فيهم بنفس القدر التي تتأثر بهم و بسلوكياتهم ، ولهذا سيهتم المقال بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات:
- ما هي معايير تصميم مراكز التأهيل النفسي؟
- كيف نجعل المريض يشعر وكأنه يعيش بمنزله؟
- ما هي الأنشطة التي يجب توفيرها للترفيه عن المرضى؟
- كيف يؤثر الفراغ على حالة المريض النفسية؟
كل هذه الأسئلة هي مدار مقالنا اليوم ..سوف نتحدث عن كل عنصر منفرد ونوضح بعض الاشتراطات الواجب توافرها به
اعتبارات عامة عند تصميم مستشفيات التأهيل النفسي
– لا بد أن تقدم عمارة البيئة المحيطة بالمريض النفسي الجو المناسب الذى يساعده على الإعتماد على نفسه بأكبر قدر ممكن ، و ذلك بـ تصميم بيئة داخلية مريحة وصديقة له من خلال تشابهها مع البيئة المعتادة له .
– توفير عنصري الأمن و الأمان سواء للمريض أو الآخرين عند تصميم فراغات مستشفيات الأمراض النفسية أو مستشفيات التأهيل النفسي ، نظراً لإرتفاع نسب المرضى التي تكون لديهم ميول انتحارية مما يعرضهم لإيذاء أنفسهم أو إيذاء الأخرين ، و يختلف ذلك بإختلاف طبيعة المرض والمريض.
– الإهتمام بتنسيق الموقع حول مبانس مسنشفيات التأهيل النفسي من تشجير وحدائق خضراء بالإضافة لتهيئة البيئة المحيطة بالمريض النفسي لما لها من تأثير كبير على حالته النفسية والإهتمام بتوفير مناطق خضراء واسعة بحيث يمكنه الشعور بالحرية والانطلاق.
– يجب توفير الإضاءة الطبيعية في الفراغات المعيشية بمستشفيات الأمراض النفسية ، والتي تساعد على تحسين الخدمة العلاجية وتقصير فترات الإقامة للمرضى النفسيين ، مع إدراك المصمم للتأثير السلبى لضوء الشمس المباشر على بعض المرضى الذين يعانون من حساسية تجاه الضوء الساطع .
– ينبغي اختيار بيئة هادئة بعيدة عن مصدر الضوضاء والإزعاج لما للهدوء من أثر بالغ في تحقيق راحة المرضى النفسيين المقيمين بالمستشفى وتوفير بيئة طبيعية تتمتع بأصوات إيجابية تصدر في الغالب عن الطبيعة مثل أصوات الطيور وحفيف الأشجار وخرير المياه مما يعطي إحساس بالراحة والاطمئنان.
معايير تصميم المداخل ومنطقة الإستقبال
يجب أن يتسم الوصول إلى موقع المستشفى وكذلك الوصول إلى المدخل الرئيسي بالسهولة والوضوح مع استخدام العلامات واللوحات الإرشادية.
أما الإستقبال يراعى أن تكون الإضاءة في هذه المنطقة طبيعية وأن يتسم التصميم الخاص بها بالبساطة حتى لا يتسبب للمريض بالشعور بالرهبة تجاه المكان، كما يجب توفير خدمة و أن تخصص غرفة تتوفر فيها الخصوصية اللازمة لإجراء المقابلات الأولية مع المرضى.
يراعى عند تصميم الاستقبال أن يتسم التصميم بالبساطة والبهجة
مسارات الحركة
-يجب تجنب الممرات المنحنية والطويلة والممرات الكثيرة المتفرعة من المسار الرئيسي لأنها تقلل من إمكانية مراقبتهم من قبل القائمين على رعايتهم.
يراعى في تصميم عناصر الحركة الرأسية ( السلالم) عدم وجود بئر للسلم حيث أن المريض يمكن أن يقفز بنية الانتحار.
يجب تجنب الممرات الطويلة والمنحنية كما يفضل تصميمها بشكل أنيق غير ممل
معايير تصميم غرف التمريض
إن قسم التمريض في مستشفيات التأهيل النفسي هو أحد أهم العناصر، ولذلك يلزم مراعاة الآتي:
– أن تتصل غرف التمريض مباشرة بغرف المرضى والمناطق العامة كمعيشة المرضى وصالات الطعام وغيرها.
– يجب الاهتمام بالفراغ المعيشي للمرضى والعمل على سهولة مراقبتهم مع الإهتمام بعدم تصدير إحساس المراقبة للمرضى وسهولة الوصول للمناطق الخارجية.
– يجب الإهتمام بتصنيف المرضى حسب احتياجهم للمساعدة والاعتماد على النفس وقدرتهم على التعامل مع الآخرين حيث يمكن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: مرضى رعاية محدودة ومرضى رعاية متوسطة ومرضي رعاية فائقة.
معايير تصميم غرف المرضى
-تكون على هيئة غرف فردية أو مزدوجة أو على هيئة عنابر صغيرة تضم ٤ مرضى و يجب أن تحقق الإعتبارات التصميمية التالية:
– أن تكون مساحة الغرف الفردية لا تقل عن 12 م2.ونصيب الفرد في العنابر عن 9م2.
– الاهتمام بشكل وطراز وتصميم الفراغات الخاصة بالمرضى والعمل على إعطائهم شعور الحميمة كالمنزل ويراعى توفير المرونة في الفراغ حتى تسمح للمريض بتنسيق متعلقاته بالطريقة المناسبة له
– يجب مراعاة الفئات العمرية المختلفة واختلاف الثقافات ونوعية البرنامج العلاجي عند عمل التصميم المناسب لوحدات إقامة المرضى.
– توفير خزانات للمتعلقات الشخصية للمرضى وطاولة للكتابة والإهتمام بتثبيتهم جيدًا حتى لا يؤذوا أنفسهم أو الآخرين.
– يراعى أن تفتح الأبواب في الإتجاه الخارجي في المناطق التي قد يحاول المريض حبس نفسه بها بحيث يجعل جسده حائل بين فتح الباب .
– تصميم الشبابيك وفتحات التهوية بحيث تسمح بفتحها من الداخل وكذلك إمكانية استخدامها في خروج المستعملين للفراغات في حالات الطوارئ ولكن في نفس الوقت فإن عملية الفتح والغلق يجب أن تكون محكمة وبطريقة تمنع محاولات الهروب أو الإنتحار .
– يجب أن يلحق بغرفة إقامة المرضى دورات مياه بطريقة مباشرة ودون الحاجة إلى الخروج من الغرفة ولكن في بعض الأحيان قد يتـم ذلك تحت إشراف الفريق المعالج.
– يفضل ألا يزيد عدد المرضى في أي وحدة للمرضى النفسيين عن ٣٠ مريض للحالات المزمنة و عن ٢٠ مريض للحالات الحادة.
معايير تصميم الوحدات الطبية للمسنين
يراعى في التصميم أن تستوعب الغرف وجود مرافق للمسن ويكون الحد الأدنى لمساحة الوحدة 12م2 أو18م2 للغرفة المزدوجة والمساحة الدنيا المخصصة للمريض النفسي المسن في صالة المعيشة 2.8م2 لكل مريض ، كما يجب توفير مخزن خاص بالوحدة للكراسي المتحركة .
معايير تصميم غرف العزل
– يجب أن تكون فردية ومؤمنة جيدًا حتى لا يهرب المرضى أو يؤذي نفسه وتكون الغرفة خالية من أي الأثاث بإستثناء المرتبة .
– الحوائط مبطنة بالقماش أو الإسفنج حتى لا يستطيع المريض إيذاء نفسه بضرب رأسه في الحائط على أن تكون المادة المستخدمة على درجة عالية من الأمن والسلامة ويرعى خلو الغرفة من الأركان الحادة .
– الحد الأدنى لمساحة غرفة العزل 7 م 2 و يلحق بها حمام 4:5 م2 على أن تتواجد غرفة عزل على الأقل بكل وحدة تمريض لكل (٢٠-٢٤ سرير)
يجب أن تتوفر معايير الأمان بغرف العزل
معايير تصميم فراغات المعيشة للمرضى
تعتبر هذه الصالة بمثابة الإستراحة الخاصة بالمرضى بين جلسات علاجهم و أنشطتهم المختلفة التي يمارسونها أثناء النهار ويمكن استخدامها في حالة استقبال الزوار والسماح لهم بالتجول في الوحدة التمريضية.
– يفضل أن تحتوى على مكتبة لحفظ الكتب والمجلات و بعض الألعاب الترفيهية وجهاز تلفزيون وراديو وجهاز لسماع الموسيقى.
– يراعى وجود صالة المعيشة بجوار صالة الطعام ، على أن يكون تصميم تلك الصالة يساعد على توطيد العلاقة بين المرضى عن طريق أسلوب الفرش وتنسيقه بالفراغ ، على أن تكون المساحة المخصصة لكل مريض بصالة المعيشة لا تقل عن 2.25م2 وفي حالة وجود صالة الطعام مع صالة المعيشة يضاف إليها 1.5م2 لكل مريض.
يجب أن يحتوي فراغ المعيشة على أنشطة ترفيهية
معايير تصميم صالة الطعام
-يجب تصميم صالة الطعام بحيث تسمح بقيام جميع المرضى في الوحدة التمريضية بتناول وجباتهم ويمكن أن تتسع كذلك بمشاركة أعضاء الفريق المعالج لهم في ذلك أو بعض من الأقارب والأصدقاء إذا ما تواجدوا في هذه الأوقات .
– الحد الأدنى للمساحة المخصصة لكل مريض 1.85م2 في حالة وجود صالة طعام داخل الوحدة التمريضية وبشكل مستقل عن صالة المعيشة
– يمكن استخدام هذه الصالة في غير أوقات تناول الوجبات في القيام بأنشطة أخرى ترفيهية أو لعقد إجتماعات بين المرضى و الفريق المعالج
– يفضل إلحاق أوفيس صغير بصالة الطعام بوحدة التمريض لتجهيز الوجبات الخفيفة أو إعداد المشروبات من قبل المرضى أنفسهم وذلك تحت إشراف أحد أعضاء الفريق المعالج.
يفضل أن تكون صالات الطعام مطلة على منظر طبيعي ويمكن عمل تراس ليعطي إحساس رائع وقت الطعام
غرف العلاج النفسي الجماعي
توفير غرفة لإجتماع المرضى في مجموعات علاجية وأنشطة إعادة التأهيل المختلفة بما يسمح باجتماع حوالى من 20:10 فرد يجلسون معًاً على شكل دائرة بما يسمح باستخدام الغرفة في العلاج الجماعي والعلاج الأسرى والاستشارات الطبية والمقابلات و يمكن أن تتشارك وحدتي تمريض أو ثلاثة في استخدام هذه الغرفة.
– يمكن استخدام هذه لغرفة في أوقات أخرى كغرفة موسيقى أو صالون انتظار وغيرها..
يجب توفير أماكن تجمعات علاجية ويفضل في تصميمها ان توحي بالحميمية والقرب
معايير تصميم غرف الزيارة
– توفر لتمكين الزوار من لقاء مرضاهم على إنفراد ويمكن أيًضا إستخدامها في إجراء مقابلات مع أقارب المرضى، و عقد حوارات
و مناقشات بين أعضاء الفريق الطبي المعالج ، ويراعى في تصميم هذه الغرفة اعتبارات العزل الصوتي.
فراغ الزيارة يجب ان يحتوي علي مقاعد تسمح للمريض الجلوس مع عائلته مع بعض الخصوصية
*قسم العلاج بالصدمات الكهربائية
يعتبر من أساسيات أي مستشفى نفسي حيث يتم فيه علاج حالات كالإحباط والاكتئاب عن طريق تمرير شحنات كهربائية في خلايا المخ باستخدام أجهزة خاصة بذلك ويراعى في تصميم هذا القسم أن تكون حركة المريض في اتجاه واحد بداية من فراغ الاستقبال وانتظار العلاج مرورًا بغرف العلاج وانتهاءً بعنبر الإفاقة ، بحيث لا يرى المرضى المنتظرين أقرانهم بعد العالج ويراعى في تصميم هذا القسم أن يقسم إلى ثلاثة أنشطة ( استقبال ملحق به انتظار المرضى ، غرف العالج بمساحة 10 م2 ، عنبر الإفاقة (
– منطقة الإفاقة
منطقة الإفاقة الأولية : يسمح هذا العنبر بمشاهدة كاملة لجميع المرضى بها أثناء مرحلة الإفاقة حتى يتم التأكد من استقرار حالتهم ، و تكون ملاصقة لغرفة العلاج ، و يراعى أن تسمح مساحة عنبر الإفاقة بوضع عدد ٤-٦ ترولات ومساحة كافية حول كل منهم للحركة وعمل الإسعافات اللازمة في حالات الطوارئ .
الخدمات العلاجية البدنية والرياضية
قسم إعادة التأهيل: إن العلاج التأهيلي في خدمة الرعاية الصحية للمرضى النفسيين يأتي في المقام الأول من حيث الأهمية في عمليات العلاج للوظائف النفسية، وكذلك بالنسبة للوظائف العضوية وبدرجات متفاوتة.
العلاج البدني العضوي: (مزاولة الأنشطة الرياضية) فالعلاج البدني يصبح مرغوباً في توفره دائماً في خدمة الرعاية الصحية للمرضى النفسيين وخاصة في حالات الإقامة لفترات طويلة ، وأيضاً في حالات المرضى كبار السن.
يفضل توفير غرف خاصة باللياقة البدنية لما لها من تأثير إيجابي على الصحة النفسية والعضوية
*حيث يجب توفير أماكن للحركة والمشي وتوفير معدات رياضية حتى يقضي المريض وقته في أشياء تفيده وتخرج غضبه وتذهب حزنه.
ختامًا:
الصحة النفسة للإنسان هي من أهم العناصر التي يجب الإهتمام بها حيث أنها تؤثر على جميع نواحي حياتنا وإذا نظرنا بنظرة مادية بحتة سنجد أنها من أسباب إزدهار الدول ،ولهذا يجب الإهتمام بتصميم مراكز تأهيل مناسبة لأمراض العصر النفسي ،ويجب توفير الأجواء المريحة والصحية التي تسهم بتهدئة المريض وإراحة أعصابه والبعد عن ما يشعر المريض بالتوتر مثل استخدام الإنارة المباشرة التي قد تؤذي العين واستخدام الألوان المنشطة والحارة التي تزيد من توتر الأعصاب خصوصا في غرف التنويم.
وتجب على المعماريين دراسة الجانب النفسي في تصميم كافة الفراغات ودراسة سلوك المستخدمين لهذه الفراغات ولأن هذا الموضوع هام جدآ خصصنا له سلسلة مقالات تهتم بدراسة تأثير العمارة على الصحة النفسية والسلوك فلا تنسوا الاطلاع عليها لمعرفة أساسيات العمار ة النفسية .يرجي الاطلاع على هذا المقال .
ولمعرفة مدى تأثير العمارة على السلوك يرجى الإطلاع على هذا المقال
المصادر:
1-مرهج، لؤي(2014).الأسس التصميمية لمباني الأمراض النفسية، مجلة جامعة البعث – المجلد 33 – العدد 3 – 2014: https://www.shamra.net/uploads/documents/document_4b25920de885883433095e4c893ead1d.pdf
2- بابكر، لينة عصام ، تقرير مشروع التخرج بعنوان : مستشفى الطب و التأهيل النفسي: