الكاتبة: مهندسة معمارية/عزة رضا أبو السعود & مراجعة ونشر:مهندسة معمارية /وفاء حسن أبو العطا
المقدمة :
لا شك أن فيروس كورونا(covid-19) أثر على جميع نواحي حياتنا وأدى لوقف العديد من الأنشطة ولكن إذا فكرنا ملياً سنجد أنه بإمكان العمارة المشاركة في تقديم الحلول في زمن الأوبئة فلقد شهد القرن الحادي والعشرين حتى الآن ستة أمراض قابلة للانتشار السريع ، كان أولها متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد والوخيم، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وإيبولا، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وأخيرا وباء كورونا المستجد.
وإذا كنا بالفعل دخلنا عصر الأوبئة والأمراض سريعة الانتشارمثل جائحة الكورونا ، فكيف نصمم مدناً تحظى بالعديد من وسائل الحماية من الأوبئة والأمراض سريعة الانتشار بحيث تكون قابلة للعيش ولا تخلو شوارعها من السكان بمجرد تفشي وباء جديد ،وهذا ما نسعى لمناقشته في هذا المقال حيث نحاول مناقشة هذه التساؤلات:
- ماهي الحلول التى يقدمها العمران في مواجهة كورونا؟
- وكيف سيؤثر انتشار الأوبئة على تغير الفكر المعماري في تصميم المساكن؟
- وكيف تصبح الفراغات والمنشآت العامة ملائمة لمواجهة العدوى؟
أولآ:العمران بعد كورونا ( تخطيط المدن )
يجب أن نعترف بأن العمارة والتصميم الحضري من أهم الوسائل الفعالة للسيطرة على انتشار الأوبئة ففي الآونة الأخيرة وجدنا المدن الكبيرة أصبحت مدن أشباح ووجدنا المدن المكتظة والعشوائية أكثر عرضة الأوبئة والفتك بالبشر مع صعوبة السيطرة عليها..
وإذا سلمنا بأن الأوبئة قد تصبح جزء من حياتنا، وهذا ما دفع جوهان وولتجر( من كلية الهندسة المعمارية والمدن بجامعة ويستمينستر) إلى القول بأنه من الضروري أن تحظى المدن بوسائل الحماية اللازمة مما يجعلها أكثر قدرة على اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهة الأزمات ، ولكن ما هي الوسائل المقترحة التي يجب أخذها بعين الاعتبار بل والتقيد بها عند تخطيط المدن الجديدة لتتمتع بالقدر الكافي من الأمان ، واليكم بعض تلك المقترحات :
*المدن الصغيرة بدلا من المدن الكبيرة
التفكير في أسلوب جديد في تخطيط المدن أصبح حتميا، فيجب أن تكون حقبة ما بعد وباء كورونا محفزة لتغيير فكرة المدن الضخمة المتروبوليتانية ،ويبدو أنه من الواجب الانتقال إلى حقبة تخطيط مجتمع محلي صغير متماسك وليس التنافس من أجل تحويل مدن العالم إلى مدن متضخمة لا مكان فيها إلا لأصحاب قدرات مالية فائقة.
إن التوسع الحضري، وبخاصة في المدن الكبيرة له عيوبه الجمة كازدحام شبكات النقل وزيادة التلوث وتراكم النفايات وثقافة الاستهلاك ،فسكان المدن الكبرى في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا اندفعوا ناحية الريف والقرى الصغيرة هربا من سيطرة جائحة كورونا على المدن الكبرى.
* الاكتفاء الذاتي للمدن
وذلك بمراعاة توفير جميع المرافق والخدمات عند التخطيط بحيث تتمكن كل مدينة من تلبية احتياجاتها الصناعية والزراعية وغيرها دون الحاجة لغيرها من المدن، وذلك تجنباً للحصول على تلك السلع من المدن الأخرى التي قد تكون محملة بالفيروسات ، وأفضل مثال حي لتلك المدن المتكاملة هو مبدأ مدينة العشرين دقيقة الذي طبقته مدينة ملبورن بأستراليا على سبيل التجربة , ويقوم النموذج على ضمان وجود كل ما يحتاجه المواطن، من التسوق إلى مراكز الرعاية الصحية ومساحات لممارسة التمارين الرياضية، على بعد 20 دقيقة فقط من مسكنه.
*توفير مناطق للمساحات الخضراء
هناك نماذج عديدة لمدن صممت للحفاظ على صحة سكانها، إذ أقيمت في سنغافورة الحدائق العلاجية في عام 2016 لتحسين الصحة النفسية للمواطنين، ويتعاون المواطنون في طوكيو مع مصممين معماريين لإقامة مساحات خضراء في أحيائهم بغية تحسين الصحة .
*أماكن مخصصة للأزمات والطوارئ
من المهم إقامة مراكز صحية ومساكن مؤقتة بسهولة ويسر، وتخصيص مساحات في المدن لهذا الغرض حيث تسمح هذه الفراغات بإنشاء أبنية سهلة التنفيذ حيث أقامت الصين مستشفى في ثمانية أيام فقط ! تأثرا بأزمة الكورونا.
*تصميم مخيمات انسانية :
قام مصمم ألماني بتطوير نظام مخيم للاجئين يسمى دوموDomo ،تعتبر خيام مرنة ، متينة. ولكن على عكس الخيام الإنسانية بشكل عام ، فإن دومو قابلة للتكيف للغاية مع المناخ واحتياجات المجتمعوتزن حوالي 50 كجم. من الخارج ، تشبه قاعدة دومو كوخًا كبيرًا. يحتوي Domo على ستة جوانب ومغطى بمفروشات قطنية،
يبلغ عرض خيمة الملجأ 25 مترًا مربعًا ، ويبلغ ارتفاع السقف حوالي ثلاثة أمتار ، مما يجعلها مريحة للغاية للتجول. الإطار المنحني الذي يشكل القبة مصنوع من الخشب الرقائقي أو المعدني أو حتى البلاستيك المعاد تدويره.
*حتمية نقل أماكن العمل خارج المدن :
الشركات الكبيرة ستنتقل مع مستخدميها إلى خارج المدينة كما يحدث في وادي السيليكون في كاليفورنيا وفقاً لعبد الخالق بدران (الحائز على دكتوراه في الهندسة المعمارية من جامعه كارديف البريطانية) تاركة فرصة جديدة للتجديد العمراني.
تأثير الأوبئة على تصميم المساكن:
فكما كان للأمراض سريعة الانتشار والأوبئة تأثير كبير على تخطيط المدن – على النحو سالف الذكر – فإنه يجب أن تتمتع المنشآت السكنية والصناعية بالعديد من وسائل الحماية مما يجعلها أكثر قدرة على اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهة الأزمات وإليكم بعض تلك الوسائل:
*الاتجاه نحو المباني الحديثة:
منذ تفشي كورونا واتجه الناس لطرق حمايتهم ومن أهم هذه الوسائل هي المنازل الحديثة وأكد فيزسكي كبير مهندسي شركة البيت الحديث في تصريحات لـ(سبوتنيك) أن الطلب على المنازل الحديثة في الماضي كان قليلاً حيث أن الشيء الوحيد الملفت للعملاء كان التصميم الحديث ولكن بعد تفشي كورونا زاد الطلب عليها لإمكانية تأمين جو صحي منعزل عن الوسط الخارجي
حيث توصلنا لأعلى درجات الحماية من فيروس كورونا التاجي، عن طريق تعقيم الأشخاص القادمين بالسيارات فوراً عند وصولهم إلى المرأب، كما يوجد أجهزة مخصصة لفحص الأشخاص قبل دخولهم إلى المنزل.
*عمارة أكثر حيوية:
حيث أكد د. عبد الخالق بدران (الحائز على دكتوراه في الهندسة المعمارية من جامعه كارديف البريطانية) أن العمارة ستكون أكثر حيوية وذكاء حيث سيشمل الفراغ الداخلي على مجسات تشعر بنا وتسمعنا وتعايننا وتقدم لنا حاجتنا من صحة ونقاء أي ستكون المدينة آمنة واقتصادها ثابت ومحصن.
*الاتجاه نحو استخدام التهوية والإضاءة الطبيعية ودخول أشعة الشمس
وإذا كنا سنقضي أوقاتاً أطول في المنازل، فينبغي مراعاة التهوية والإضاءة الجيدة عند تصميم المنازل وتنصح ليديا كاليبوليتي، من كلية إروين تشانين، للعمارة بتفادي عيوب التصميم التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض، مثل انعدام منافذ التهوية في المباني الذي يؤدي إلى إعادة تدوير مسببات الأمراض في الهواء عبر أنظمة تكييف الهواء.
*معالجات وأفكار للمنازل الصغيرة
مع استمرار العزل المنزلي وقضاء معظم الوقت في المنزل وجب التفكير في جعل المنزل أكثر حيوية وأكثر استيعاباً للأنشطة كما أن العديد من الأشخاص اتجهوا للعمل من المنزل
حيث يوجه بروان رئيس معهد (KIT Future Design Institute)نصائح لتصميم المساحات المتواضعة:
– نصح المصمم بوضع الزخارف حول النوافذ لإضفاء طابع حيوي إليها، وحتى لا يشعر المرء أنه عالق في مكان صغير
– أما بالنسبة للأشخاص الذين يحتاجون لإجراء الكثير من الاجتماعات أو مكالمات الفيديو، نصح براون بتحويل زاوية من منزلك إلى نافذة للتواصل مع العالم الخارجي. وقال: اعثر على طريقة لتزيين زاوية في مكان ما وربما قد تحصل على منصة لوضع الحاسوب المحمول الخاص بك.
-قد يكون من الصعب الحصول على الخصوصية وخصوصاً إذا كنت في غرفة مع أشخاص آخرين وفي منزل صغير للغاية، إلا أنه قد يكتفي الشخص بتوجيه كرسيه في اتجاه معاكس، ما يُظهر للآخرين أنه يعمل.
-وفي ظل قضاء فترات طويلة في المنزل خلال فترات الحظر التي فرضتها علينا ظروف مقاومة وباء كورونا يجب استغلال أسطح المنازل باعتبارها ملجأ للحصول على مكان مفتوح تصله أشعة الشمس المباشرة ويتمتع بتهوية وإضاءة كافيتين ويمكن استخدامه أيضا للعمل.
*مساكن العمال
أخذت المدن تطبق معايير جديدة للبناء، منها مراعاة الإضاءة والتهوية وتحديد عدد الأشخاص الذين يسكنون الشقة الواحدة ، حيث شرعت لجنة دراسة أوضاع سكن العمالة، في المملكة العربية السعودية لتجهيز مساكن تابعة لهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، بهدف تخصيصها كمساكن مؤقتة للعمال، بعد استخدام مباني المدارس الحكومية لغرض الحد من الكثافة البشرية داخل مساكن العمالة، كأحد التدابير الوقائية للتصدي لفيروس كورونا المستجد،حيث أقرت أنه يجب توفير أربعة متر مربع لكل شخص في غرفة نومه.
مناطق العمل المشتركة بعد كورونا :
*ازدياد فكرة العمل عن بعد : حيث قامت العديد من الشركات بإقفال فروعها والاتجاه الي العمل عن طريق الانترنت ،حيث نوت شركة زارا للملابس بغلق نحو 1000 إلى 1200 خلال العامين القادمين وتم اغلاق 90% من متاجر إن ديتكس في إبريل وفي الوقت نفسه أعلنت الشركة عن خططها لزراعة منصة تجارية الكترونية في خلال ثلاث سنوات.
*تقليل العدد في التجمعات: يجب أن تقتصر الاجتماعات أو التجمعات على عدد محدود، ربما لا يمكن أن يزيد عن خمسة أشخاص بعيدون عن بعضهم البعض بأمان أو على الأقل حتى الآن، يجب على أصحاب العمل إبقاء غرف الاستراحة أو مناطق المطبخ مغلقة أو الحد من عدد الأشخاص الذين يمكنهم مشاركة المساحة فيها. وفي طوابق المتاجر، يمكن للموظفين أخذ فترات راحة في مجموعات متداخلة على مدار اليوم لتجنب التواجد في مناطق الازدحام لمدد طويلة.
*وتنبه جو دا سيلفا، مديرة التنمية العالمية المستدامة بمؤسسة “أروب” للهندسة، إلى أهمية تعديل المباني من الداخل لتتناسب مع الظروف الحالية وتبقى أمنة ، مثل زيادة عدد المصاعد في المباني المرتفعة، وبناء درج إضافي للسكان أو العاملين لتفادي التلامس مع الآخرين والاقتراب منهم أثناء صعود الدرج أو النزول منه.
الأماكن العامة وأماكن العبادة والأماكن التعليمية
*الأماكن العامة: يجب زيادة المساحات بين الأفراد في كل مكان والحفاظ على التباعد الاجتماعي حيث يجب زيادة عرض ممرات المشاة والأرصفة وفصل المقاعد العامة في الشوارع عن بعضها،كما أن المتاجر يجب ان تتجه للبيع عن بعد أو اتخاذ إجراءات مثل عدم التعامل بالعملة الورقية واستخدام حواجز عند الدفع وتقليل رواد هذه الأماكن.
*أماكن العبادة:حيث إنها من أكثر الأماكن ازدحاماً وعرضة لنشر الفيروس لهذا فإن التباعد مهم جدا ومن تعليمات السلطات السعودية لضمان التباعد الاجتماعي في المساجد بعد عودة صلاة الجماعة ، وفتح النوافذ وإشراع الأبواب من دخول الوقت إلى نهاية الصلاة، ورفع المصاحف والكتب مؤقتاً، وإلزام المصلين بترك مسافة بمقدار مترين بين كل مصل، وترك فراغ بمقدار صف بين كل صفين.
*الأماكن التعليمية: مع قيام معظم الدول بإتمام هذا العام الدراسي عن بعد والاتجاه نحو التعليم عبر الانترنت إلا أن عودة الطلاب لأماكن دراستهم تتطلب العديد من التوصيات حيث يجب تقليل عدد الطلاب في الفصول الدراسية كما يمكن استخدام فواصل بلاستيكية لمنع العدوى.
الأماكن الترفيهية : تأثرت أيضا الأماكن بهذه الجائحة و ازداد الأمان بها وتم وضع اشتراطات جديدة وتعليمات عند الدخول والخروج يجب انن يتبعها الزائر لتحقيق الأمان وتقليل انتشار العدوى.
المراكز التجارية : وتعتبر من أكثر الأماكن التي تأثرت بجائحة الكورونا حيث تم غلقها إلى فترات ثم عاودت العمل مع وضع اشتراطات جديدة حتى أن بعض المحلات تحدد عدد العملاء على حسب مساحة المحل التجاري .
ولمعرفة كيف تأثرت المراكز التجارية في ظل جائحة الكورونا لا تنسوا قراءة هذا المقال.. والذي يوضح تأثير الكورونا على المراكز التجارية
ختاماً: فإن ملامح الهندسة المعمارية سوف تتغير بعد كورونا حيث سيصبح التباعد صفة المستقبل،ويجب على أصحاب القرار في العالم الاتجاه نحو اتخاذ أساليب الحماية من الأمراض المعدية باعتبار كورونا ليس الوباء الأخير فإننا لا نتمنى أن نشاهد الألاف يموتون أو نري أنفسنا محاصريين داخل منازلنا لفترات طويلة ،كما أن أعمار المباني تمتد لفترات كثيرة حيث إن عدم الاهتمام بمعايير السلامة سوف يؤدي لخسائر اقتصادية كبيرة.
المراجع :
1-الرؤوف ،على( 2020،4،15 ) عمارة وعمران ومدينة ما بعد جائحة كورونا: تحولات حتميةhttps://www.jadaliyya.com/Details/40978
2-جريدة الشرق الأوسط( 03 فبراير 2020 مـ) صور… مستشفى أقامته الصين في 8 أيام يستقبل مرضى كورونا https://aawsat.com/
3-Degen،Guy(24.07.2014) Domo, Kamp Pengungsi Modern،https://www.dw.com/id/domo-kamp-pengungsi-modern/a-17806839
4-المحمود،حمد(7 مايو 2020) بوابات التعقيم الذاتي في “الحرم المكي“https://www.skynewsarabia.com/
5-https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2020/05/27/saudi-mosque-guidelines
7-الحبيب،عبد الرحمن(14 أبريل 2020) كيف سيغير كورونا شكل مدننا؟https://www.alarabiya.net/
8-Bbcبالعربي(30 أبريل/2020) فيروس كورونا: كيف نبني مدينة قادرة على الصمود في مواجهة الأوبئة؟https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-52477444
9-البدران،سلطان(31 مارس 2020) عندما تصبح العمارة حلا في زمن الأوبئة! https://www.independentarabia.com/
CNNبالعربي (30 ابريل،2020) في ظل فيروس كورونا نصائح لتصميم منزلك بطريقة ذكية بهدف العمل والدراسة : https://arabic.cnn.com/style/article/2020/04/30/adapt-small-homes-lockdown-coronavirus